الأحد، 22 فبراير 2009

العرب في تأخر والمتهم المنظومة التربوية


العـــرب في تأخـــر والمتهم المنظومة التربوية
فتيحة الشرع -مركز منارات
19/11/2008
في الوقت التي تتعالى فيه الأصوات مطالبة بضرورة تفعيل دور الإعلام في مجال نشر الثقافة العلمية ومد الجسور بين الباحثين وعموم الناس واصحاب القرار من جهة أخرى، فتتحول الأفكار إلى إنجازات تسير في إتجاه واحد وهو إنتقال الشعوب العربية من صفة الإستهلاكية المتنامية إلى ميزة الإنتاجية المصيرية.
في الوقت ذاته، يغفل أصحاب هذه الأصوات القاعدة التي ينطلق منها كل مشروع حضاري، ولنا في اليابان والألمان أصدق وأعمق دليل. هذه القاعدة هي المنظومة التربوية.
قبل منتصف الثمانينيات ورغم محدودية الإمكانيات كما وأداء إلا أن المسار كان مدروسا والرؤية إلى حد كبير واضحة والهدف كان أقرب إلى متطلبات الواقع آنذاك.
إذ لم يكن هناك حجم ساعي يتجاوز مقدور الطفل فيرهقه وهو يخطو أولى خطواته، ولم تكن هناك مواد تعددت تسمياتها وفاضت محتواياتها النظرية تلتهم ساعات العمر فلا يبقى منها مجال للّعب والحركة وممارسة الهوايات سوى الخمول والجلوس لساعات طوال أمام الحاسوب والتلفاز.
في الوقت ذاته أيضا، تتهافت الدراسات حول تأثير التلفاز وبرامج الحاسوب على الصحة الجسمية والعقلية للطفل، فلم يعد هناك ما يشحد الخيال في ظل زيادة تدفق الصور وجاهزيتها لتفرض على الطفل نمطا جاهزا يستهلكه كإستهلاكه للأكل السريع فلا ينال منها إلا السمنة القاتلة.
في أيامنا هذه، يسير العالم نحو الإنتاج المتسارع لتنظم إلى كوكبة الإعتماد على الذات دولٌ خيراتها محدودة وساكنتها ممدودة كمثل الهند وكوريا وإيران.
لم تعد خططها واستراتيجياتها تحمل ختم سري للغاية يُخشى إختراقها، بل باتت واضحة للبيان وحتى أصبحت موضع دراسة وتشريح من قبل العرب أنفسهم ليتحدثوا عنها في مناسبة وغير مناسبة بإعجاب تمتزج فيه الحسرة بروح الإحباط ثم لا يفعلوا شيئا.
هذه الدول ما بلغت العلا إلا بفضل تثمين القاعدة وهي كما سبق ذكره المنظومة التربوية، هذه القاعدة التي إتفق عليها الكل واستُثني منها العرب كعادتهم,
بعد الحرب العالمية الثانية وفي تناظر آسر، برزت إلى الوجود صورتان للتحدي وفي قارتين مختلفتين دكتها الحروب والنزاعات دكا، ألمانيا واليابان لم تكونا تحتاجان إلى مادة رمادية خارقة. فالأمر لم يكن بالمعقد الذي يبعث على الشلل والفشل في أوصال العرب. فقد أدركت هاتان الدولتان أن بداية النجاح المشورة ودوام النجاح الثبات وسر النجاح تثمين التفوق.
في كلا البلدين، إجتمع أهل القرار والمشورة للنظر في حال البلاد والعباد بعد ما وضعت آلة الدمار أوزارها. ماهي السبيل للخروج من النفق المظلم؟
وإن كان الظرف واحدا، لم تكن الآراء واحدة فتلك طبيعة البشر، ولكن غابت الأنانية والتفرد بالرأي لتحضر الحكمة ، فالألمان واليابان ليس في قاموس حكمهم ما يوجد عند العرب " عنزة ولو طارت". فكان البدء بمنظومة تربوية هدفها إرساء دعائم مجتمع المعرفة والتطبيق والمساءلة.
بعد عقود قفزت بالبشرية إلى ثورة الرقمنة، تكتفي العرب بجزء من المسألة لترفع شعار " مجتمع المعرفة"، فقد إختارت كعادتها الحل الأسهل، فهل ينمو الهرم بدون قاعدة؟
بعد حوالي 13 سنة من التمدرس الذي يتفنن خلاله الأولياء العرب في تلبية حاجياته المادية بدء من المحفظة إلى المناشف التي تحمل صورا ولغات ليس للعرب فيها سلطان ولا شأن، بعد هذا المشوار يجد أبناء العرب أنفسهم على عتبة الإختيار بين عالمين: عالم الجامعة أو عالم الشغل وليس في حوزتهم زاد من التطبيق حتى وإن كان تركيب دارة كهربائية بسيطة.
وحتى اللغة لم تسلم من الضعف وخير دليل أن يقرأ المرء طلبات العمل التي يُتقدم بها لدى مختلف المصالح، فمن المسؤول عن هذه الوضعية؟
وبعد سنوات أخر تضاف إلى المسار يتخرج أبناء العرب بشهادة أدناها الليسانس وأعلاها دكتوراه بدرجات، ألقاب صارت في ذاتها غاية لا تزيد في أحيان كثيرة إلا سطورا إلى السيرة الذاتية لحاملها، أما البحث العلمي فهو لا يزيد الحكومات إلا عبء إضافي لميزانيتها الهزيلة أصلا وعمدا.
أبحاث، حتى وإن كثر الكلام حولها، يقطف ثمارها الغرب، أمّا العرب فيستوردون من الإبرة إلى المصباح.
مَن مِن العرب لا يذكر يوما ، زميلا له في قسمه في مرحلة ما من مراحل التمدرس، أو ربّما هو، كانت له ميولا تطبيقية وكان يضجر من النظري فحكم عليه بالغباء أو التمرد لأنه لم يردد كالببغاء ما إحتوته بطون الكتب للحصول على علامة الإنتقال والتفوق.
وكم عبقري ظلمته المنظومة التربوية وتجشأته على هامش الحياة لتلازمه عقدة " الضعف" طول حياته ولم يُفسح المجال له ليخدم بلده من موقع القوة فراح يصارع أمواج الحياة ليمتطي موجة الربح السريع بعد أن تحول المنطق إلى صف " من يملك أكثر"، ليسقط في مرحلة لاحقة من ثابر طول حياته وإختار لنفسه طريق العلم. فلم يسلم في الأخير لا العبقري،ليس بالمفهوم السائد، ولا المثابر من ظلم المنظومة التربوية، فالأول لازمته صفة الضعف في بداية مشواره والثاني لازمته صفة الحاجة في مرحلة متقدمة من مشواره.
ومن السياسة، مرورا بالإقتصاد والثقافة إلى الإعلام فإن الصورة التي تُرتسم في المرآة واحدة : منظومة تربوية خارج مجال تغطية متطلبات الراهن العربي.
ذات لقاء، حكت إمرأة عراقية أبية مقيمة بالسويد ، لصديقة من الجزائر كان القطار يقلهما من فاس إلى الدار البيضاء المغربية، قالت العراقية مندهشة " استدعتني مدرسة إبني وهي سويدية لتنبهني الى الطريقة التي يتبعها في التفاعل مع دروسه، إذ رأتها مرهقة تعتمد على الحفظ وليس على الفهم والتطبيق. وطلبت مني مساعدتها في تغيير منهجية طفلي حتى لا يدمر ذكاؤه"
مقابل ذلك تساءلت رفيقتها " كم من مدرس عربي استدعى ولي أمر تلميذ لتوجيه ملاحظات غير تلك التي تتعلق بالهوامش كالهندام وبعض الحركات التي تبدو له مزعجة وما هي إلا تعبير عن حالة تذمر يحسها الطفل؟"
الهوة بين العرب والغرب في إتساع رهيب، ومع أن العرب تعرف السبب إلا أن منظومتها التربوية فيها كل العجب...وما زال مسلسل التأخر فصوله تتوالى.

هناك تعليق واحد:

  1. جامعة المدينة العالمية
    المكتبة الرقمية

    تمثل المكتبة الرقمية لجامعة المدينة العالمية من أبرز الصور الداعمة للبحث العلميللدارسين والمتخصصين والباحثين في شتى فروع المعرفة؛ حيث تضم أكثر منخمسين ألف مرجع، تغطي كافة التخصصات الأكاديمية، وتقوم بالتحديث المستمر لهذا المحتوى؛ مما يحقق تراكمًا معرفيًا ضخمًا على المدى البعيد.
    الرؤية:
    إتاحة قاعدة عريضة من المعلومات والبحوث العلمية المسموعة والمقروءة لخدمة الطلاب والباحثين المعتزين بالقيم الإسلامية القادرين على مواجهة التحديات، والمشاركين في نهضة المجتمعات.
    الرسالة:
    تقديمالخدمات المكتبية الرقمية والمصورة والمسموعة المتكاملة.
    الهدف من المكتبة الرقمية:
    1.نشرالرصيدالعلمي في سائرفنون العلم والمعرفةوتعميمها بأسلوب يحقق الفائدةالعلميةالمرجوة.
    2.توظيفالتقنيةالحديثةوالاستفادةالقصوىممّاتُتيحهمنإمكاناتهائلةفيمجالالمكتباتوبالأخصالشبكةالعالميةللمعلومات “الإنترنت”.
    3.خدمةالدارسين والباحثين في شتّىبقاع الأرض بما يُوفِّر عليهما الجهد والوقت في التصفّح والعرْض والبحث بطريقةعرْض تتناسب مع المعاييرالعالميةللمكتبات.
    4.التعاونوالمشاركةوالتسويق المتبادل للموارد المكتبية ومعالجتها المختصة.
    موقع المكتبة الرقمية

    ردحذف