الجمعة، 17 أبريل 2009

كندا الوجه الآخر



كندا الوجه الآخر
عربيات نجحن في الغربة

من كندا ـ فتيحة الشرع «خاص - جريدةالحدث»

سميرة بودودة ما إن وصلت إلى كندا أرض التنوع البيئي والبشري، حتى فكرت في أن أكتب شيئا عن المرأة العربية "كيف حالها في المهجر .. خبروني؟" أردت أن أتحسس حرارة قلبها في عز القَّر، هل تبحث عن السهل الموجود والمباح أم تناضل لتضيف إلى مسيرة المرأة بشكل عام والمرأة العربية بشكل خاص مكاسب إنسانية أخرى وليس تعسفية أخرى؟

النضال دوام
كثيرات هن اللواتي قابلتهن في حياتي ممّن اخترن النضال والدفاع بلا هوادة ولا تنازل عن قناعات تباينت حسب البيئة والظروف المحيطة بكل منهن وحتى حسب التنشئة الأولى لكل واحدة، ولكن ما اختلف هذه المرة أنني قابلت وجوها أنثوية سمحة أشعرتني أن النضال يزيد المرء رزانة وهدوءا، ويصقل تعابير وجهه لتبدو لك كسطور تقرؤها دون عناء.


أيضا ودون عناء وجدت بسرعة رأس الخيط، فليس هناك من لا يعرف السيدة سميرة بدودة " إذا أردت أن تغوصي في عالم النساء فإن عليك طرق باب الجزائرية سميرة، فهي صاحبة فضاء تجتمع حوله النساء من مختلف البلدان، إنها مثل الدار الكبيرة حتى وإن لم تأكل فإنك تبيت في الدفء" . قالت السيدة ألفة لاباسي العاملة في الاتحاد الدولي للإعلاميين العلميين، ومقره أوتاوا، وهي من أصل تونسي.
قلت في سري" هل الغربة هي من يصهر الحساسيات التي تصيب الحدود العربية بالعفن، أم أن العيش في ديار الغربة يلقن المرء فن الاعتراف بالمكامن الإيجابية للآخرين والتصفيق لهم في إعجاب كما فعل ملايين الأمريكيين لأوباما الإفريقي الأصل؟"


الزميلة فتحية الشرع
مع أول الوجوه النسوية


على أنغام الشرق ووسط ديكور مريح داخل مطعم مصري التقيت السيدة سميرة بدودة بعد موعد مسبق، كنت أحاول أن أستكشف المكان البديع بنظراتي لكن شيئا ما كان يثبت تركيزي على هذه المرأة. كان لعينيها بريق خاص، يكفي أن تُمعن النظر لتطابق بين ما تنطق به وما يسكن شغاف قلبها، كلما تكلمت أكثر كنت أرتاح لحديثها أكثر ، فالصدق والقناعة مثل الكهرمان"المغناطيس" يجذبك حتى تلتصق به.

منذ وصولها إلى كندا وإلى مقاطعة مونتريال تحديدا سنة 1992 مع زوجها، كانت تحمل في داخلها روح المشاركة والتواصل مما وفّر عليها الكثير من الجهد والوقت في ربط علاقات مع مختلف الذهنيات، وحسب حديثها فإن تجربة الحياة في فرنسا أهلتها لمواقف تضع الثبات والتبصر على المحك.
" أريد من خلال اللقاءات والندوات سواء التي أنَظمها أو أحضُرها تلبية لدعوة ما، أن أربح كل دقيقة من عمري في هذا البلد لأن بقاء الحال من المحال" ، وتضيف السيدة سميرة " العولمة ورهانات العصر المتسارعة قد تجعل ما هو لك اليوم، غدا هو عليك، علينا أن لا نتكاسل مادامت ناعورة التغيير تدور، علينا أن نكون نحن المهاجرون العرب جزءا فاعلا، و ربّما القاطرة التي تقود إلى الأمام".
سألتها " بماذا ترُدين على من يقول بأن الغرب لم يترك مجالا إلا وبيّن حدوده، فالديمقراطية مضمونة هنا إلى حد ما " تنهدت قائلة " نحن البشر لسنا أشياء مجردة يسري علينا حكم واحد، فلكل مجتمع خصوصيته التي تضمن له توازنه- إن كانت قائمة على العدل والتعاون والحق_ ومهما عرفك الغير فليس أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك، من لا يعرفك يجهلك وقد يظلمك من حيث يدري أو لا، نُسمع صوتنا بالطرق الحضارية لنثبت أننا موجودون ونمد أيدينا للآخرين ولا ننتظر العكس فالخير قائم على التعاون بين الجميع وليس على اقتناص الفرص وفرض وجهات النظر أو في أسوأ الأحوال تجاهلها".


وحتى تنجلي الرؤية أكثر خوفا من التنظير طلبت من السيدة سميرة أن تضرب لي أمثلة ملموسة، ابتسمت وكأنها وجدت في طلبي ما كانت تصبو إليه، وحكت لي تجاربها الخاصة على هامش اللقاءات التي حضرتها ضمن مختلف الفضاءات في كندا ، وكيف أن بعض النسوة يتمادين في نقد المجتمعات العربية التي جئن منها وينعتنها بالرجعية والقمع والاستبداد بشكل مبالغ فيه وأنها كلّها تتشابه. وينكُرن عليها التقدم ولو النسبي المتمثل في الإصلاحات التي شملت عددا من القطاعات والتي أتاحت بدورها فرص المشاركة للمرأة.
"حتى المجتمع الغربي بدوره لا يخلو من العيوب لدرجة الشذوذ أحيانا، لكنه تفطن بفضل شفافيته وفعاليته بعيدا عن لغة الخشب والمراوغة والتستر إلى أن يخلق الإطار الذي يحمي الفرد مركزا على القيّم الجماعية وليس الفردية أيا كان الفرد فالقانون فوق الجميع...لا محسوبية ولا محاباة" .

ولم تتوقف الجزائرية سميرة بدودة عند هذا النوع من القضايا بل حدثتني أيضا عن فضاء الشباب الذي ساهمت في وضع لبناته الأولى لملء الفراغ بكل صوره عند هذه الفئة الهشة والقوية في آن واحد.
وكلما برزت المناسبة لاسيّما في حضور أصحاب القرار من الجزائر تطرح سميرة ضرورة مد الجسور بين الجالية في المهجر والوطن الأم لتدارك الاختلال الذي حدث مع هجرة الأدمغة.

سعاد بو نخلةسعاد بونخلة...قامة شامخة في بلاد الغرب
من بلاد المغرب إلى بلاد الغرب جسور التقارب والتبادل الثقافي، من هنا اختارت السيدة سعاد أن تعطي معنى لوجودها بعيدا عن الوطن الأم.
"حقيقة، أنا لا أحس بالغربة هنا ولا أحس أنه يجب علي بذل مجهود للاندماج. حين تعيش من أجل غاية إنسانية سامية تحس أن كل الأوطان هي وطنك الذي يستحق إخلاصك".
وتُشرف السيدة بونخلة على تنظيم عدة لقاءات وندوات تفاعلية للحديث عن كنوز الثقافة العربية التي تدعو للحوار وتنبذ التعصب والانغلاق. كما تقدم دروسا لتعلم اللغة العربية لأبناء الجالية كأداة لضمان التواصل مع الأصل، واكتساب ثقافة جديدة لها تاريخها وحاضرها. زيادة على ذلك تلقين العربية لرؤساء المؤسسات التي تستثمر في البلدان العربية مما يسهل عليهم التعامل بسرعة وفهم متطلبات محيط الاستثمار.
" بالنسبة لي من تعلم لغة قوم ضمن مصلحته" قالت سعاد وهي تعدد المرات التي استضافها فيها الإعلام للحديث عن نظرة العرب لبعض القضايا " صعب أن تجلس أمام إعلامي لا يسمعك بقدر ما يحاول توريطك لتقول ما يحب هو سماعه فيلهب جمهوره حتى ولو على حساب مصير أمة بكاملها".
وهل تؤمنين أنت بحوار الحضارات؟ سؤال طرحته بدوري على السيدة سعاد بونخلة لتوريطها بطريقتي الخاصة وأنا أعلم مسبقا أنها ستستعمل معي كعادتها مبدأ مسك العصا من الوسط، فردت"أحسن مثال على ذلك النشاطات المتنوعة التي نقوم بها في إطار الجمعية العربية التي أسسناها فنحن نعمل بلا هوادة من أجل مد جسور التقارب الحضاري المبني على معرفة الآخر مستنيرين بما جاء في القران الكريم و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا".

توقفت السيدة خديجة عن شرح فكرتها لتروي نكتة لطيفة- فكلامها لا يخلو من ذلك- ثم واصلت وقد بدا على ملامحها الجد الممزوج بالقلق"لقد صرنا مجبرين على تغيير الرؤى الخاطئة والذهنيات المنغلقة فالمجتمع الكندي بصفة عامة يجهل العديد من القضايا المتعلقة بتاريخ العرب والمسلمين، مما يؤدي في أحيان كثيرة لسوء الفهم إذ يسفر عن هذا ما لا يحمد عقباه.و من جهتنا علينا بذل الجهد للتعايش مع الأخر في انسجام دون حساسية فالتعارف كما ورد في الآية الكريمة غايته السلام والرحمة للعالمين".


صفية وعائلتها
بداية النجاح...احترام الذات
رئيسة مشروع ثم رئيسة مصلحة لدى مؤسسة ألمانية مرموقة، ومناصب أخرى تقلدتها السيدة صفية مرابط من اصل جزائري مقيمة في كندا منذ أكثر من ثماني عشرة سنة.
قدمَت إلى كندا مع زوجها بحثا عن فرص أفضل للعيش ووجدا في كندا مبتغاهما. فكندا لا تبخل على من يخلص في عمله كما لم يبخلا هما الاثنان في إعطاء المثل من حيث الأداء المهني والتواصل الإنساني مع المحيط المستقبل.
كون السيدة مرابط أما لثلاثة أطفال لم ينعكس ذلك سلبا على تربيتهم ولا على مردودها في العمل. فهي تسافر ضمن مهمات عمل أحيانا حتى إلى أوروبا إذ يُعول عليها كثيرا في بعض القرارات والبرامج المصيرية للمؤسسة لكن هذا لم ينسها واجبها الطبيعي كمربية أجيال المستقبل لهم من المتطلبات والاحتياجات ما يختلف كثيرا عن أجيال الماضي فلا مكان للغفلة معهم.
وإذا كان الإطراء هو غالبا من الآباء إلى الأبناء فالشأن مع الأم صفية يختلف، فأبناؤها هم من يُسمعُها عبارات الشكر والافتخار بها كأم قدوة في البيت وخارجه.
تبنت صفية في حياتها مبدأ الحوار والإقناع فهي تأخذ الأمور بمنطق الأشياء، وإن لم تجن النتيجة المرجوة فهي تفضل التعامل بعيدا عن الحساسيات " لسنا مجبرين على إقناع الآخرين ولكننا مجبرون على تبادل الاحترام والتعايش مع الاختلاف" عبارة ظلت المهندسة صفية مرابط تكررها طوال الحوار.
" كوني عربية متحجبة لم يشكل ذلك قط حاجزا أمام النجاح وإفتكاك احترام الآخرين في بلد تعددت مشاربه، ما يعجبني حقا هنا القيّم الجماعية من شفافية وديمقراطية ودبلوماسية في التعامل".
وتتقاسم السيدة صفية أعباء الحياة مع زوجها وتعلمت كثيرا في هذا البلد المترامي الأطراف الاعتماد على الذات، إذ تنصح كل امرأة بذلك حتى لا تقع فريسة تقلبات الزمن " عايشت عن قرب معاناة صديقة كنت أعرفها إذ فقدت زوجها، صعب أن تجد المرأة نفسها دون سابق تحضير رجلا برجل في زحمة الحياة، لهذا على المرأة أن تضع جانبا المساحيق وتخرج من شرنقتها، عليها أن تتعلم وأن تصنع لنفسها مكانا محترما".
كانت تتحدث بحرارة وتحاول قول الكثير وعلمت من نظراتها المتكررة لساعة يدها الأنيقة أن وقتها مضبوط و محسوب بدقة فحررتها من أسئلتي الكثيرة.

مبادرة مصرية للم الشمل
سحر الشربجيإذا كان في تراثنا ما يقول إن الحكمة يمانية ففي أيامنا ما يؤكد أن المبادرة مصرية، اتضح لي ذلك حين قابلت السيدة سحر شربجي.
ما إن هاتفتها حتى رحبت بفكرة اللقاء بأريحية بددت تعب يومي، وسريعا قررت ركوب المترو ثم الباص في اتجاه مدينة لافال إحدى ضواحي مونتريال.
اختيار المكان ترك لها حرية ذلك، إذ كان مطعما سابقا حولته حديثا الجالية المسلمة إلى مكان للعبادة والتناصح في سبيل الخير سعيا منها لإضفاء الوجه الحقيقي المشرق في نظرتها وتعاملها مع مختلف أطياف المجتمع الكندي الذي يتكون في أساسه من الوافدين من مختلف أصقاع العالم واعتبرت نفسي محظوظة وأن أتصفح كتاب الجنس البشري بأبعاده الطبيعية التي تتجاوز حدود الورقة.
داخل هذا المكان الذي لم يلملم أجزاءه بعد، ولم يصح كفاية من نشوة الأفراح العامرة بالملذات وساعات الأنس الموسيقي بدليل احتفاظه ببعض قطع الأثاث والسجاد القابع جنبا ينتظر وقت الرحيل، ذكرتني غربته العابرة غربتي أنا أيضا، المهم أنني جلست أرضا متربعة كما لم أفعل منذ سنوات إلى جانب السيدة سحر وسط دائرة تصنعها نساء الجالية العربية من مختلف البلدان جئنا لتعلم ما يفيدهن في حياتهن الأسرية والمهنية.
ما شد انتباهي منذ البداية هو الأفكار العملية القابلة للتطبيق ودون تعقيد والتي استهلت بها حديثها مخاطبة الحاضرات.
قالت سحر بلطف وخفة بنت النيل ذات المسحة القمحية " إن أهم مبدأ يقوم عليه المجتمع الكندي هو التطوع ودروس التدعيم المجانية الموجهة لأطفال المدارس...."، وأفكار أخرى قد يطول شرحها، لأن الأساس من مقابلتها هو رسم صورة ذهنية عن إرادة امرأة عربية بعيدا عن مسقط الرأس ومرتع الصبا.
وما إن فرغت الأخت سحر حتى انزويت بها جانبا لتحكي لي قصتها. "ابتدأ المشوار منذ اللحظة التي قدمت لي فيها الوكالة الكندية للتنمية الدولية منحة دراسة لتحضير شهادة دكتوراه، جمعت حقائبي و جئت إلى كندا بمعية أسرتي المتكونة من الزوج والأولاد وكان ذلك سنة 2000 والتحقت بجامعةUQAM وأنا حاليا أحضر رسالة ما بعد الدكتوراه(بوست دكتوراه) موضوعها سبل الاندماج الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة".
وهل الدراسة بكندا لها طعم خاص " طبعا كندا تفتح لك كل الآفاق الرحبة لتنهل من منابع العلم بشكل مريح وجذاب، الوصول إلى المعلومة هو العملة الحقيقية لهذا البلد، وهذا في حد ذاته محفز نفتقده نحن العرب. حيثما وليت وجهك وجدت روح المنافسة لهذا تجد الباحثين يعملون أكثر مما جعل هذا البلد في شقه الأكبر يتقدم بفضل العلم".
ما روته لي الدكتورة سحر بشأن العراقيل التي مازالت الدول العربية تكبل بها باحثيها لدرجة أنها تفقدهم في أوان قطاف بواكير نتاجهم ،هو الكلام ذاته الذي سمعته من أفواه الآخرين. اجتمع العرب هذه المرة في شكل المعاناة بين بلادة الذهنيات وصلابة العادات التي تستمد قوتها ليس من منطقها بل من العصبية التي تعشش بين جوانحهم لدرجة فقدان البصيرة. وبرغم من أن الغربة لا تعترف بالجميل لكنها بالمقابل لا تتربص بعثراتك ، يمكنك السقوط ثم النهوض دون أن تصبح حديث المدينة.

من جهتي اغتنمت مناسبة الثامن من مارس لأسال السيدة سحر عن واقع المرأة العربية خصوصا تلك التي تصبو لاعتلاء وظائف مهمة سواء في مجال البحث أو مجالات أخرى، فردت باختصار" لا يخلو الأمر من العراقيل وإن تلونت حسب الحالات فهي تبقى إسقاطا لنظرة واحدة لا تقبل المرأة المتحجبة، إذ لا يعني أن غير المتحجبة تشرّع الأبواب أمامها، فهي أيضا لها نصيبها من التهميش من لدن البعض".
لحظات من البوح الصادق، فتحت شهيتي على أسئلة أخرى كمن يريد أن يحفر أكثر ليصل إلى النبع، واقع يختلف فيه سلم القيم عما ألفناه بحلوه ومرّه في الوطن العربي، النجاح متاح والديمقراطية متوفرة فممن التخوف؟
بعد سنوات طوال من العيش في بلد المسطحات المائية وحلوى الكاستور وحظائر التزلج، ترى السيدة شربجي أن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على مقومات الشخصية العربية الإسلامية التي نثرت بذور الإشعاع الحضاري ذات زمن من تاريخها العريق ، دون أن يكون ذلك مدعاة للانزواء والانعزال عن الوطن الحاضن الذي فتح أبوابه، فعلينا نحوه واجبات كما لديه أيضا ميزات إيجابية تستحق أن تؤخذ على محمل الجد والاهتمام.
"ما أخشاه هو حالة الاندثار التي يعقبها الانهيار بسبب الحرص الأعمى لبعض القادمين على الانغماس دون ترك مجال لإطلالة الرأس لتبين الطيب من الغث، فيظل التيار يجرفهم في غفلة منهم وحين تهدا الحركة بعد مرور الوقت يجدون أنفسها على بر الندم الذي يسلب فرصة العودة والتراجع، هم في واد وقيمهم في واد وأبناؤهم فلذة أكبادهم في بحر متلاطم الأمواج قد لا يدركه حتى البصر لأنهم مشوا بعيدا وأسرع من المتوقع".
لم تترك لي هذه السيدة التي تتألق أكثر كلما تحدثت أكثر مكانا بداخلي إلا وأزاحت عنه غموض السؤال، ودعتها وأنا أدور داخل راسي ما همست به " قد يكون المنصب منبرا تخوض من خلاله المرأة العربية غمار التغيير في مجتمع يفاجئك دون سابق إنذار، لكنه ليس هو المسلك الوحيد الذي أمامها، أقول هذا لأنني عرفت منذ مجيئي إلى كندا نساء ماكثات في البيوت لكنهن نجحن بشكل لافت للنظر في تنشئة جيل صالح يمكن أن يعول عليه، وقدمن خير مثال في العمل التطوعي حيثما كان، وأحسب أنني شرحت بكفاية مكانة العمل التطوعي داخل المجتمع الكندي".

إن من الحرية ما أنعش...دفاعا عن حقوق الإنسان
سما الأبياريرغم تكوينها العلمي فإن السيدة سماء الابياري استطاعت أن تنال ثقة الجميع من خلال برنامج إذاعي أسبوعي تقدمه باللغتين الإنجليزية والفرنسية.
انطلاقا من ثلاثة محاور سياسي وثقافي وخدماتي يدور الحديث على الهواء مباشرة حول قضايا الراهن وما تحمله من تداعيات حول نظرة الغرب إلى العرب. و لعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت لحظة المواجهة الكبرى عبر الأثير ، وواجهتها المذيعة سماء وهي تنشط حصة تلت اليوم التالي من الأحداث وكان يوم أربعاء.
ماذا تقول لعالم بات على الصفيح الساخن يعيش مشهدا هوليوديا ضحاياه لن يعودوا إلى بيوتهم بعد التصوير؟ ماذا تقول للآخر وهي العربية التي جاءت إلى كندا لتصنع لها مستقرا ومتاعا معنويا؟ أي الكلمات تصلح لتفسير ما جرى وأي الكلمات تحمل المواساة لآلاف المفجوعين؟
وكان ما كان وبرهنت السيدة على مهنية عالية كانت باكورة سنوات من الممارسة الميدانية بدأت سنة 1997 برفقة بعض الأفراد المتطوعين الذين رأوا أن الغياب يسلبك فرصة الدفاع عن الذات، فكان المدخل الحيز الإعلامي الذي تمنحه جامعة McGill للجاليات الموجودة في كندا.
اثنتا عشرة سنة من العمل الإذاعي المتواصل بصفة تطوعية ليست بالأمر الهيّن، بدءا باقتناص المواضيع الطازجة والبحث عن الضيوف المتميزين والإلمام بالأحداث والمستجدات، كل ذلك يتطلب الإرادة والصبر ولا ينقص السيدة سماء هذا وهي التي شربت من ماء النيل وترعرعت في كنف أسرة ثورية ثم سافرت بعد الجامعة إلى كندا وتزوجت كنديا هناك.
كل سنة تقوم البرامج الإذاعية التطوعية بحملة جمع التبرعات بغرض تغطية التكاليف ليكون برنامج القافلة...."كرفان" www.ckut.caهو من يحصد المبلغ الأعلى بما يفوق خمسة آلاف دولار.
يقوم التوجه الأساسي للمحطة الجامعية على نبذ كل ما يدعو أو يلمح لكل من: الكراهية، نشر ديانة معينة، معاداة السامية و المقاطعة.
بين موسيقى العود والكلمة الرزينة تصنع المذيعة المصرية سماء الأبياري سمفونية التناغم والثراء بحضور ضيوف جلّهم أساتذة جامعة، رجال وسيدات أعمال ونخبة مثقفة.
وأما ما يتعلق بالمرأة، فقد كان الموعد مع الموضوع الذي ألهب الكثير من المناقشات وهو العنف ضد المرأة، فبرغم ما جنته المرأة من المكاسب النضالية فإن العنف مازال يتربص بها، لتقول السيدة سماء بكل وضوح وصراحة إن الإسلام أعز المرأة منذ قرون وأوصى بها خيرا ورفقا.
فليس تكريم المرأة مقرونا بالثامن من مارس بل هو احترام لها وعرفان لها مادامت الأرض تدور.
وتعترف السيدة سماء قائلة " لقد أحدثت الإنترنت قفزة نوعية من حيث توفر المصادر وتنوعها والتواصل الدائم مع الآخرين، لقد صارت عندي شبكة من العلاقات مع مختلف القطاعات تمدني باستمرار بالمعلومة وفي أوانها".
ليس هذا فقط ما اعترفت به المذيعة سماء فهناك أيضا البوح بالجانب الرومانسي في حياتها الزوجية " زوجي كريم النفس والطبع والعطاء، أنا أعمل بصفة تطوعية ولا أتقاضي راتبا نظير ذلك وليس لي مدخول آخر، إلا أن زوجي يغمرني بكل شيء".
من خلفيتي الإذاعية أردت أن أعرف من السيدة رأيها حول ما يتردد عن العرب ومحنة الإعلام، هل الإعلام يستهدف العرب خارج أوطانهم؟ ويخدرهم داخلها؟
ردت سماء " الإعلام أداة تجعل الخطأ مكلفا، ونحن العرب أخطأنا كثيرا في عملية الشد والرخو، وليس أمامنا إلا أن نسرع في إعداد جيل برؤية إعلامية مسئولة، لا اقصد أن الكل يتحول إلى مجال الإعلام بل أعني أن كل واحد يمكن أن يصبح إعلاميا في تعاطيه مع القضايا التي تتعلق بموقع العرب، يستطيع كل واحد أن يكتب مثلا ردا منطقيا موزونا على مقال نشر أو خبر أذيع ورأى فيه ما يسيء لمبادئنا وكرامتنا ومصالحنا بعيدا عن التنديد الشفوي والتصعيد الشارعي".
وتسعى هذه الإعلامية إلى إطلاق برنامج جديد تصنع حلقاته ملفات السجناء السياسيين وهي تمتلك مجموعة من المعلومات التي تؤهلها لخوض غمار التجربة بنجاح من منطلق أنها منخرطة ضمن منظمة العفو الدولية. إضافة إلى ذلك في أجندتها يقبع برنامج آخر ينتظر الفرصة المواتية موضوعه الرفق بالحيوان نظرا للمشاهد الصادمة التي قابلتها في حياتها.
وقبل أن أصافحها لأودع هذا الوجه الإذاعي الذي يناضل في صمت، سألتها إن كنت أنا أول من فكر في رسم بورتريه متواضع عنها ابتسمت وهي تدعوني لإكمال القهوة التي لم أرتشف منها إلا القليل " أنا فخورة بكم كإعلاميين عرب تبحثون عن الحقيقة في مهدها".

سهى بشارة...النضال العابر للقارات

سهى بشارة
في جولتها القصيرة التي قادتها إلى كندا مصطحبة معها سيرتها الكبيرة وأسرتها الصغيرة، التقيت اللبنانية ذات التوجه الشيوعي سابقا وقد بدت بضفيرتيها المسدلتين فوق كتفيها كأنها بنت الجيران التي يحلم بها صبيان الحي وينتظرونها عند الينبوع ، صورة عذرية جميلة عودتنا عليها صاحبة الصوت الملائكي اللبنانية هي أيضا فيروز. وما إن أخبروني بقدومها وتقديمها لمحاضرة بإحدى قاعات سان لورون في مونتريال ، حتى ضبطت أجندتي على الموعد.
على طول البهو المؤدي إلى القاعة، اصطفت طاولات تعرض صورا عن صمود المقاومة الفلسطينية، وكتب عن انعكاسات الجدار على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين وحتى النفسية منها، كيف لا وقد تجد العائلة الواحدة نفسها مشتتة إلى ضفتين والأرض الواحدة إلى حدين. كما وضع هناك صندوق لجمع التبرعات على خلفية العدوان الأخير على غزة.
في عزة وثبات صعدت سهى بشارة المنصة تحت سماء تصفيق الحاضرين من عرب وعجم وناشطين من المنظمات الإنسانية كالصليب الأحمر، العفو الدولية ومناهضة الجرائم المرتكبة في حق المدنيين العزل، وكذلك ممثلة عن إتحاد طلبة جامعة مونتريال. لم تتكلم سهى كثيرا عن معاناتها في غياهب سجون الاحتلال التي سلخت عشر سنوات من عمرها على حد ما ورد في كتابها " المقاومة"، وانما اكتفت ببعض المنعرجات المصيرية في حياتها التي بدأت في سن مبكرة. في الوقت الذي يتفتق فيه الإحساس وتغادر شرنقته شغاف القلب، كان هم سهي الوحيد وهب حياتها للوطن العزيز الممزق والمأساة الفلسطينية المغيبة، وفي شجاعة حاولت تنفيذ مخطط اغتيال لأحد العملاء تحت لواء اسرائيل الجنرال أنطوان لحد وعمرها حينئد 21 سنة، لكن القرار والقدر لم يتفقا على الموعد. وسقطت سهى في القبض لتقتاد إلى معتقل الخيام ذي السمعة المريبة. ليل أعمى ونهار أعشى ورقم لامرأة نسية منسية، ولدت عام 1967 في دير ميماس بلبنان.
عشر زهرات ذبلت من ربيع العمر، لتخرج سهى بفضل نضال ناشطي الصليب الأحمر منهم كلارا ، اسم آخر يضاف إلى عمر النضال النسوى.
جاءت سهى إلى كندا لتحمل مع جوازها أجوبة عن لتساؤلات جمة غطت سحابتها سماء كندا بعد إعلان هذه الأخيرة عن موقفها الداعم لتوجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة الحاضن لحركة حماس. قناعاتها تراها شافية ومنطقية لواقع لا يدرك مرارته إلا من تجرعها " ماذا تنتظرون من شعب أخذت أرضه غصبا وشرد على مرأى ومسمع العالم؟ اسرئيل اجتاحت لبنان عام 1982 وقتلت عشرة آلاف شخص، واعتقلت الرجال والنساء وحتى الأطفال. وعدوان غزة سطر في تاريخ الإجرام الصهيوني فهل يستوي الحجر مع البارود؟ ليتها كانت من سجيل لتعجل بنهاية الظلم".


زهية المصريفوق كوم الثلج والرماد يصنع الفلكلور الفلسطيني الحياة
اسمها زهية المصري وأصلها فلسطيني، أم لطفل واحد لكنها تعيش وسط عائلة كبيرة، قطعة من تراب فلسطين بزيتونه وتينه وزعتره وفلكلوره تمتد جذوره إلى 24 سنة.
ولأن اللقاء لم يكن عن سابق موعد، انزويت جانيا أتأمل هذه الشابة ذات القد الممتلئ وهي غارقة في تدريب أطفال الجالية العربية الذين يتابعون دروسا إضافية في اللغة العربية على مقاعد مدرسة عربية. التدريبات كانت تحضيرا لحفل مبرمج نهاية شهر مارس 2009 وهو يندرج ضمن النشاطات التي تصبو للتقارب الثقافي والاندماج الاجتماعي.
تقاوم زهية المصري الدموع بالرقص، وتنسى هموم الوطن بنشر ثقافته حيثما حلّت، ولذلك فهي تتطوع لمرافقة كل من يرغب في تعلم الفلكلور الفلسطيني كالدبكة وهي التي تحمل الشهادات العليا في كل من العلوم السياسية وكذلك علم الديانات.
ربّما ما يجدد الحياة بداخل هذه المرأة هو حبّها للحياة وليس غريبا أن تسمع منها وهي تردد باستمرار قيمة الفرح كعلاج لليأس، وقيمة كل استنشاقة كشعور عميق تجاه نعمة الحياة لا تدوم طويلا لدى فمن واجبك على الحياة أن تساير خطاها.
" إن من صفات النبل العرفان بالجميل، وأنا اشهد ان الشعب الكندي طالما تعاطف مع القضية الفلسطينية، لقد خضت سباق الانتخابات الفيدرالية هنا كما شاركت في المناقشات الكبرى حول حقوق المرأة والحق في التعليم والتعايش الديني واكتشفت أن من مصلحتنا نحن العرب عدم التسرع في اصدار الأحكام والعزوف عما عند الآخر، الغرب لديه اشياء إيجابية بدليل الهجرة المستمرة نحو أراضيه".
من جهتي أعترف أنني كنت أعيش مغامرة مثيرة وأنا أسابق الوقت في رحلة اكتشاف الذات العربية ممثلة في هؤلاء النسوة اللواتي قطعن البحار وكسّرن جدار الصمت والتخاذل ليمهدن الطريق للآتي.


هناك تعليق واحد:

  1. جامعة المدينة العالمية
    مجمع

    مجلةجامعةالمدينةالعالميةالمحكمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا المصطفى محمد وعلى أله الأطهار وأصحابه الكرام أجمعين وعلى التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
    من منن العزيز الحكيم على خلقه أن اصطفاهم بالحكمة، وبأن فتح أمامهم أسرار العلوم وسنن المعارف لينتفعوا وينفعوا. ونحمد الله عل وجلى أنه من بين منْ حباهم بمنة العلوم والمعارف جامعة المدينة العالمية، فتمثلت هذه المنة الطيبة المباركة بمجلة الجامعة (مجمع) الدولية المحكمة، التي أرادها لها العزيز الحكيم أن تكون بابا يلجه كل طالب عالم وباحث معرفة. كما هيأ لهذه المجلة نخبة من الباحثين والأكاديميين ممن أخذوا العهد على أنفسهم في بذل أقصى الجهد تحقيقا لكل ما تبغيه وتسعى إليه الجامعة ومجلتها من أهداف ومهام لخدمة الانسانية دون تمييز في اعرق أو لون.
    من المنطلق أعلاه ندعوا بصدق نية كل من لديه الرغبة الخالصة في يجعل مجلة جامعة المدينة العالمية قاربه الذي يسري به في بحر المعارف والعلوم أن لا يتردد في الكتابة إليها، وسوف يجد من هيئة تحريرها كل العون والمساعدة شريطة الالتزام بأهدافها التي قامت عليها وشريطة التوافق مع مبادئها التي التزمت بها. ويقينا بإذن الله تعالى سيجد الباحث فيها كاتبا كان أو قارئا وسيلة راقية وفاعلة في دعم مسيرة الانسان الحضارية لتحقيق خلافة الانسان في هذا الكون واعماره بما شاء له خالقه وباريه عز وجل.
    مع تحيات/
    مجمع

    مجلةجامعةالمدينةالعالميةالمحكمة

    ردحذف