الأحد، 22 فبراير 2009

العرب في تأخر والمتهم المنظومة التربوية


العـــرب في تأخـــر والمتهم المنظومة التربوية
فتيحة الشرع -مركز منارات
19/11/2008
في الوقت التي تتعالى فيه الأصوات مطالبة بضرورة تفعيل دور الإعلام في مجال نشر الثقافة العلمية ومد الجسور بين الباحثين وعموم الناس واصحاب القرار من جهة أخرى، فتتحول الأفكار إلى إنجازات تسير في إتجاه واحد وهو إنتقال الشعوب العربية من صفة الإستهلاكية المتنامية إلى ميزة الإنتاجية المصيرية.
في الوقت ذاته، يغفل أصحاب هذه الأصوات القاعدة التي ينطلق منها كل مشروع حضاري، ولنا في اليابان والألمان أصدق وأعمق دليل. هذه القاعدة هي المنظومة التربوية.
قبل منتصف الثمانينيات ورغم محدودية الإمكانيات كما وأداء إلا أن المسار كان مدروسا والرؤية إلى حد كبير واضحة والهدف كان أقرب إلى متطلبات الواقع آنذاك.
إذ لم يكن هناك حجم ساعي يتجاوز مقدور الطفل فيرهقه وهو يخطو أولى خطواته، ولم تكن هناك مواد تعددت تسمياتها وفاضت محتواياتها النظرية تلتهم ساعات العمر فلا يبقى منها مجال للّعب والحركة وممارسة الهوايات سوى الخمول والجلوس لساعات طوال أمام الحاسوب والتلفاز.
في الوقت ذاته أيضا، تتهافت الدراسات حول تأثير التلفاز وبرامج الحاسوب على الصحة الجسمية والعقلية للطفل، فلم يعد هناك ما يشحد الخيال في ظل زيادة تدفق الصور وجاهزيتها لتفرض على الطفل نمطا جاهزا يستهلكه كإستهلاكه للأكل السريع فلا ينال منها إلا السمنة القاتلة.
في أيامنا هذه، يسير العالم نحو الإنتاج المتسارع لتنظم إلى كوكبة الإعتماد على الذات دولٌ خيراتها محدودة وساكنتها ممدودة كمثل الهند وكوريا وإيران.
لم تعد خططها واستراتيجياتها تحمل ختم سري للغاية يُخشى إختراقها، بل باتت واضحة للبيان وحتى أصبحت موضع دراسة وتشريح من قبل العرب أنفسهم ليتحدثوا عنها في مناسبة وغير مناسبة بإعجاب تمتزج فيه الحسرة بروح الإحباط ثم لا يفعلوا شيئا.
هذه الدول ما بلغت العلا إلا بفضل تثمين القاعدة وهي كما سبق ذكره المنظومة التربوية، هذه القاعدة التي إتفق عليها الكل واستُثني منها العرب كعادتهم,
بعد الحرب العالمية الثانية وفي تناظر آسر، برزت إلى الوجود صورتان للتحدي وفي قارتين مختلفتين دكتها الحروب والنزاعات دكا، ألمانيا واليابان لم تكونا تحتاجان إلى مادة رمادية خارقة. فالأمر لم يكن بالمعقد الذي يبعث على الشلل والفشل في أوصال العرب. فقد أدركت هاتان الدولتان أن بداية النجاح المشورة ودوام النجاح الثبات وسر النجاح تثمين التفوق.
في كلا البلدين، إجتمع أهل القرار والمشورة للنظر في حال البلاد والعباد بعد ما وضعت آلة الدمار أوزارها. ماهي السبيل للخروج من النفق المظلم؟
وإن كان الظرف واحدا، لم تكن الآراء واحدة فتلك طبيعة البشر، ولكن غابت الأنانية والتفرد بالرأي لتحضر الحكمة ، فالألمان واليابان ليس في قاموس حكمهم ما يوجد عند العرب " عنزة ولو طارت". فكان البدء بمنظومة تربوية هدفها إرساء دعائم مجتمع المعرفة والتطبيق والمساءلة.
بعد عقود قفزت بالبشرية إلى ثورة الرقمنة، تكتفي العرب بجزء من المسألة لترفع شعار " مجتمع المعرفة"، فقد إختارت كعادتها الحل الأسهل، فهل ينمو الهرم بدون قاعدة؟
بعد حوالي 13 سنة من التمدرس الذي يتفنن خلاله الأولياء العرب في تلبية حاجياته المادية بدء من المحفظة إلى المناشف التي تحمل صورا ولغات ليس للعرب فيها سلطان ولا شأن، بعد هذا المشوار يجد أبناء العرب أنفسهم على عتبة الإختيار بين عالمين: عالم الجامعة أو عالم الشغل وليس في حوزتهم زاد من التطبيق حتى وإن كان تركيب دارة كهربائية بسيطة.
وحتى اللغة لم تسلم من الضعف وخير دليل أن يقرأ المرء طلبات العمل التي يُتقدم بها لدى مختلف المصالح، فمن المسؤول عن هذه الوضعية؟
وبعد سنوات أخر تضاف إلى المسار يتخرج أبناء العرب بشهادة أدناها الليسانس وأعلاها دكتوراه بدرجات، ألقاب صارت في ذاتها غاية لا تزيد في أحيان كثيرة إلا سطورا إلى السيرة الذاتية لحاملها، أما البحث العلمي فهو لا يزيد الحكومات إلا عبء إضافي لميزانيتها الهزيلة أصلا وعمدا.
أبحاث، حتى وإن كثر الكلام حولها، يقطف ثمارها الغرب، أمّا العرب فيستوردون من الإبرة إلى المصباح.
مَن مِن العرب لا يذكر يوما ، زميلا له في قسمه في مرحلة ما من مراحل التمدرس، أو ربّما هو، كانت له ميولا تطبيقية وكان يضجر من النظري فحكم عليه بالغباء أو التمرد لأنه لم يردد كالببغاء ما إحتوته بطون الكتب للحصول على علامة الإنتقال والتفوق.
وكم عبقري ظلمته المنظومة التربوية وتجشأته على هامش الحياة لتلازمه عقدة " الضعف" طول حياته ولم يُفسح المجال له ليخدم بلده من موقع القوة فراح يصارع أمواج الحياة ليمتطي موجة الربح السريع بعد أن تحول المنطق إلى صف " من يملك أكثر"، ليسقط في مرحلة لاحقة من ثابر طول حياته وإختار لنفسه طريق العلم. فلم يسلم في الأخير لا العبقري،ليس بالمفهوم السائد، ولا المثابر من ظلم المنظومة التربوية، فالأول لازمته صفة الضعف في بداية مشواره والثاني لازمته صفة الحاجة في مرحلة متقدمة من مشواره.
ومن السياسة، مرورا بالإقتصاد والثقافة إلى الإعلام فإن الصورة التي تُرتسم في المرآة واحدة : منظومة تربوية خارج مجال تغطية متطلبات الراهن العربي.
ذات لقاء، حكت إمرأة عراقية أبية مقيمة بالسويد ، لصديقة من الجزائر كان القطار يقلهما من فاس إلى الدار البيضاء المغربية، قالت العراقية مندهشة " استدعتني مدرسة إبني وهي سويدية لتنبهني الى الطريقة التي يتبعها في التفاعل مع دروسه، إذ رأتها مرهقة تعتمد على الحفظ وليس على الفهم والتطبيق. وطلبت مني مساعدتها في تغيير منهجية طفلي حتى لا يدمر ذكاؤه"
مقابل ذلك تساءلت رفيقتها " كم من مدرس عربي استدعى ولي أمر تلميذ لتوجيه ملاحظات غير تلك التي تتعلق بالهوامش كالهندام وبعض الحركات التي تبدو له مزعجة وما هي إلا تعبير عن حالة تذمر يحسها الطفل؟"
الهوة بين العرب والغرب في إتساع رهيب، ومع أن العرب تعرف السبب إلا أن منظومتها التربوية فيها كل العجب...وما زال مسلسل التأخر فصوله تتوالى.

الجمعة، 20 فبراير 2009

بيـن الأرض والسماء.. جوعى وفضوليون

بيـن الأرض والسماء.. جوعى وفضوليون
فتيحة الشرع
اليونيسكو يخصص عام للجوعى يليه عام للفضاء
حلت سنة ورحلت أخرى، رحلت سنة الاحتفال بالبطاطس وحلت سنة ستكون للمظاهرات المتعلقة بالفلك والكون وأسراره، فبالفعل قرر الإتحاد الدولي لعلوم الفلك I AU بالتعاون مع منظمة اليونسكوUNESCO إعلان 2009 السنة الدولية لعلم الفلك تحت شعار استكشاف الكون، وذلك بمناسبة تزامنها مع مرور 400 سنة على أول نظرة على الكون الفسيح والمشاهدات المثيرة التي كشفت تضاريس القمر وأقمار المشتري.
ومنذ ذلك الوقت التقطت ملايين المشاهدات والصور، وصرفت مليارات الدولارات على برامج الفضاء "أكثر من 100 مليار دولار" حسب ما أورده البروفسور الكندي روبير لامونتاني، خلال حوار إذاعي بثه البرنامج العلمي "إنتخب العلوم" مؤخرا على أمواج إحدى القنوات الكندية.
وبين العين المجردة التي تنظر إلى واقع ملايين الجوعى في العالم والتليسكوب الذي يرصد كل حركة في الفضاء حتى ولو كانت شهابا ثاقبا، يطرح العديد سؤالا قد: "هل الإنفاق المتغالي على برامج الفضاء يعد في الجانب الأكبر منه ترفا سياسيًّا؟".
ديمقراطية الفضاء
ينفي الدكتور روبير لامونتاني Robert Lamontagne - الأستاذ والباحث بجامعة مونتريال بكندا ومدير تنفيذي لمرصد Mont-Mégantic أن يكون الأمر كذلك، ويؤكد أن تشجيع هذا النوع من البرامج في العالم يعزز مفهوم ديمقراطية الفضاء ليصبح ساحة تتسع الجميع، ويستدل في كلامه بتجارب كل من الهند، والبرازيل، والصين، واليابان التي اقتحمت هذا المجال بعد أن كان حكرا على القوى العظمى سابقا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي ثم المجموعة الأوروبية.
وتتمثل نقطة الارتكاز في وجهة نظر باحث الفلك الكندي في القفزة النوعية التي شهدها مجال الطيران بعد أن توسعت صناعته بين الدول؛ وهو ما أدى إلى انخفاض الأسعار نسبيا وانتشار خدماته "الأمر ذاته سيحدث مع تكنولوجيات الفضاء ولن تظل هناك أرقام فلكية تثير حفيظة البعض".
ولا يتوقف الدكتور روبير عند هذا الحد من الاستدلال بل يضيف "ناهيك عن مناصب الشغل التي ستتوفر بالانتعاش الأفقي والعمودي لقطاعات ذات صلة بموضوع الفلك بدءا من أبسط الحِرَف كصناعة الزجاج وصولا إلى مخابر التصميم".
ونقلا عن ذات المتحدث، فإن نصف مهندسي العالم من الهنود، والهند تعد الدولة السادسة عالميا من حيث صناعة الأقمار وتسويقها، وهي على مسافة قاب قوسين أو أدنى من الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بتكنولوجيات تصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية، وليس خفيا على العالم ما وصل إليه بلد المفارقات هذا، في مجال المعلوماتية والحاسوبية.
ما خفي أعظم
أوردت منظمة التغذية العالمية ضمن إحدى نشراتها الدورية رقْمًا لا يبعث على التفاؤل، جاء في التقرير أن عدد الجائعين في العالم ارتفع إلى 963 مليون خلال 2008 بزيادة 43 مليون جائع عن العام السابق.
وليس هذا وحده الذي يهدد الوجود البشري بل أمور أخرى، فقد ذكر موقع "محيط" نتائج الدراسة التي توصل إليها فريق من العلماء بجامعة ستانفورد أن هناك علاقة مباشرة بين زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو وزيادة معدلات الوفاة بين البشر، وتذكر الدراسة أنه من المنتظر أن يلقي نحو 20 ألف مواطن حتفهم سنويا في العالم بسبب زيادة درجة حرارة الجو جراء التلوث.
وما خفي عن أسماع العموم كان أعظم؛ لأن حديث المجالس موصول برهانات إستراتيجية تطفو على سطح التداول مع التقادم.
والآن يثور تساؤل حتمي، وهو هل من الأولى أن تنفق الحكومات جزءا من أموالها للتخفيف من سيناريوهات الخطر التي سلف ذكرها، خاصة في دول العالم النامي محدودة الدخل مثل الهند والبرازيل، أم لها الحق في أن تمضي قدما ضمن برامجها الفضائية التي هي في الأصل جزء من الحل لمعظم المشاكل؟.
في ذات السياق يستعرض الصحفي الكندي الشهير كلود لافلور Claude Lafleur المتخصص في مجال البرامج الفضائية تجربة الهند الرائدة في مجال الفضاء وكيف أوصلتها برامجها الطموحة إلى نتائج مذهلة، إسقاطات على الواقع اليومي لأبسط المواطنين "هناك مثلا التعليم عن بعد الذي يتوجه بالخصوص للمزارعين ولساكني المناطق النائية، ونشرات الرصد الجوي، ومسح الموارد الطبيعية والمراقبة البيئية وحتى التحذير من احتمال وقوع كوارث والكشف عن الأماكن المتضررة في زمن كثرت فيه النكبات".
الكنديون هواة فضاء بامتياز
بالرغم من مضي أيام قليلة على بدء السنة الدولية لعلم الفلك، فإن المتجول عبر شوارع كندا يلاحظ كثرة الصور المعبرة عن روعة الكون ويحتار في الاختيار بين البرامج والمحاضرات التي تدعو الجمهور للتحرر من جاذبية الأرض والتحليق خلف المجرات المتناثرة التي لا يُعرف لها حد، وهي ذات الدولة التي تم بلغ عدد أعضاء النوادي الفيدرالية الكندية لهواة الفلك 200.000 عضو، إضافة إلى كوكبة من العلماء والباحثين الذين يعدون بالآلاف وهم منتشرون عبر الجامعات والمعاهد ومراكز البحث.
وفي انتظار الإعلان عن ميزانيات كل ما يتعلق بالفضاء في ظل الأزمة المالية العالمية، تشير المصادر إلى أن أوربا صرفت 5 مليارات دولار خلال 2008، تليها الصين 2 مليار ثم الهند 1 مليار فالبرازيل 125 مليونا.
هذا الاختلاف في الأرقام يقابله تباين شديد في القدرة الشرائية من بلد لآخر، وإن كانت الوجهة واحدة هي النفاذ من أقطار السموات والأرض، فإن النوايا الخفية تتباين أيضا.
وتبقى مهمة ترتيب الأولويات، كما يؤكد الباحث الكندي روبير، "كأن نبني مستشفى أو نبني محطة للأبحاث الفضائية أو منصة إطلاق، هي ما يحتاج إلى تليسكوب عالي الدقة باتجاه الواقع".هل نحن لوحدنا في هذا الكون الرحب؟، هل هناك أخطار من خارج الأرض تهددنا؟، هل اكتشاف المزيد من أسرار الفضاء ضروري؟، وعند أي حد يجب أن نوقف جماح الفضول؟... أسئلة يتهافت الغرب قبل العرب على إيجاد أجوبة لها.
لكن الأكيد أن الغرب علم أشياء وما خفي عنه أكثر، لكن المؤكد أكثر هو أن معرفة وسد احتياجات أهل الأرض أولى بالإجابة والاستجابة.
نشرت بموقع اسلام اون لاين على الرابط التالي :-http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1233567814227&pagename=Zone-Arabic-HealthScience%2FHSALayout

"فقاقير" الجزائر.. ماؤها يحتضر تحت الرمال

فتيحة الشرع -
مات نخل الواحات بسبب دمار الفقاقير
من نافذة الطائرة وعلى بعد أمتار من الأرض استعدادا للهبوط بمطار تيميمون بالجنوب الغربي للجزائر، على بعد نحو 1250 كيلومترا من العاصمة شمالا، تملكني الأسى لرؤية مساحات شاسعة من الواحات مات نخيلها، وجفت سواقيها، وانطمرت تحت الرمل. يوما ما كانت هذه الواحات يانعة الخضرة والقصور مزدهرة الحركة عامرة، والمياه متدفقة بين السواقي صافية. صورة تركتها ورائي معلقة على جدران مكتبي.
هذا المنظر المؤسف أنساني تعب الرحلة وطول الانتظار في المطار، فأسرعت بالاتصال لطلب مرشد يرافقني إلى تلك الواحات غدا باكرا قبل أن تباغتنا الشمس بأول شعاع.
يتحصل الجنوب الغربي الجزائري على المياه عن طريق ما يسمى "الفقاقير"، وهي أشبه بسلسلة مترابطة من الآبار، وتعد أقدم مصدر مائي للسقي ساهم منذ قرون في إنشاء الواحات والقصور في منطقة تيميمون عاصمة إقليم قورارة أولى مدن ولاية أدرار من حيث السياحة، وثانيها من حيث الأهمية الاقتصادية، حيث يمارس تسعون بالمائة من سكان المنطقة النشاط الفلاحي داخل الواحات القديمة وأراضي الاستصلاح الجديدة.
وبفضل وجود هذه الواحات بفقاقيرها والقصور بتقاليدها تم تصنيفها وطنيا في أواخر الثمانينيات كتراث ثقافي وجبت حمايته، ولكن دون أن يكون لذلك ترجمة على أرض الواقع. أما عالميا فتعد هذه الواحات ذات أصناف التمر التي تقارب المائتين والقصور ذات الفقاقير التي تتجاوز آلاف السنين من أهم المعالم التاريخية الأثرية والسياحية.
الفقاقير نبع حياة
يبدو أن لفظ الفقارة مشتق من الفقرة؛ لأن المظهر السطحي للفقارة هو تسلسل الآبار على شكل العمود الفقري. كما أن هذا النظام ارتبط أساسا بالمناطق ذات الطبيعة القاحلة والجافة مما يفسر توسط الفقاقير للعالم القديم (آسيا وإفريقيا). ويعود وجود الفقاقير بهذه المناطق إلى توفر العوامل التالية: تواجد المنخفضات الطبوغرافية الطبيعية، العوامل الهيدرولوجية المناسبة، واليد العاملة المتمكنة.
لعبت الفقارة دورا هاما في ميدان استغلال المياه الجوفية. وساعدت طريقة الري هذه الحضارات على التطور اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا. وقد اهتدى أهالي هذه المناطق إلى تقنية جذب المياه الجوفية وتصريفها إلى السطح عبر قنوات أفقية تحت سطح الأرض والمسماة بالفقارة، وذلك لتوفر العوامل الطبيعية السابقة الذكر.
وتعتبر فقارة "أمغير" المسماة أيضا فقارة "سيدي عثمان"، والتي يعود تاريخها إلى القرن التاسع الهجري، أكبر فقارة بمنطقة قورارة بالجنوب الغربي الجزائري، وهي تعبُر وسط المدينة إلى يومنا هذا.
تتكون الفقارة من: - نفق أو قناة أفقية جوفية تحت سطح الأرض عرضها يتغير من 50 إلى 80 سم، وطولها يتراوح ما بين 90 و 150 سم. - سلسلة من الآبار الإرتوازية حفرت عموديا للوصول إلى المياه الجوفية السطحية متباعدة بمسافة تتراوح ما بين 3 و 12 مترا، وذات عمق متغير.
وترتبط الآبار فيما بينها على مستوى القاعدة بالنفق أو القناة لتوصيل الماء بينها مع وجود انحدار بسيط يسمح بتدفق الماء عبر النفق ثم خروجه بواسطة ساقية ليوزع فيما بعد. يتغير طول النفق الكلي لمجموع "الفقاقير" من مئات الأمتار ليصل أحيانا إلى بضع كيلومترات، أما بالنسبة لفتحة البئر فتكون محاطة بالركام الناتج عن الحفر حتى يكون حاجزا أمام تسرب الرمال.
وقد أخبرني المرشد الذي رافقني في جولتي، ونحن عند مدخل أحد البساتين التي تشبه حدائق بغداد، والتي بقيت تقاوم، أن الفقارة مِلك مُشترك لهذا تتطلب أساليب عملية وقوانين شرعية من أجل ضمان توزيع عادل ودقيق للماء. فهي تعتمد على حساب منسوب المياه في الفقارة ليس فقط بعد إنجازها، وإنما بعد كل تغير يحدث في المنسوب الأول.
ويقوم كيال الماء أو الحاسب الذي يُختار من قبل أهل القصر نظرا لعلمه ونزاهته بتحديد نصيب كل بستان من الماء بواسطة أداة حساب تدعى الشقفة بمنطقة تدكلت، وهي قطعة خشبية تتميز بوجود ثقوب ذات فتحات مختلفة تجسد وحدة المنسوب.
تدهور وزوال

الفقاقير من أقدم أنظمة الري
الدارسون لتاريخ الفقارة كتراث عالمي يتفقون على أنه منذ قرن تقريبا بدأت الفقاقير بالتناقص من حيث العدد والإنتاج في العالم، هذا التناقص زاد في العشرية الأخيرة، فمثلا في الجزائر كان عدد الفقاقير أكثر من ألف فقارة بين توات وقورارة وتدكلت بالجنوب الغربي الجزائري سنة 1904.
أما حاليا فيسجل الباحثون فقط 570 فقارة منتجة بين توات وقورارة، و89 فقارة على مستوى تدكلت، إذ إن عدد الفقاقير الميتة هو 400 فقارة أي ما يمثل 40% من الشبكة القديمة. ومما تجدر الإشارة إليه أن معظم الفقاقير الميتة توجد في المناطق التي تكثر بها عمليات النقب التي تمر بالمناطق العمرانية.
وتبين خريطة المياه الجوفية أن السبب الرئيسي لذلك يعود لآبار التنقيب الموضوعة بجوانب الفقارة، والتي تسببت في موت أكثر من ثلاثين بالمائة من الفقاقير، حيث تؤدي تلك الآبار لاستغلال مفرط للأحواض المائية الجوفية، وتبديد لهذه الثروة الثمينة.
وتكشف القياسات التي تم تسجيلها خلال سنوات متتالية انخفاضا شديدا في منسوب المياه. وعلى ضوء المعاينات الميدانية التي قام بها كل من الباحثين الدكتور رميني بوعلام المتخصص في الري، والدكتور محمد بن سعادة المتخصص في أنظمة الري التقليدية، فإن أسباب تدهور حالة الفقاقير عديدة يمكن حصرها فيما يلي:
أولا: الهبوطات الطبيعية للطبقة المائية:
إن المناطق الصحراوية الجافة تحتوي على خزانات عظيمة من المياه تكونت في العصور الماضية، ولندرة الأمطار فإن هذه الخزانات غير متجددة، لذا فكثرة المخارج في الطبقة المائية على مستوى الصحراء الشمالية الغربية والشمالية الشرقية أحدثت هبوطات متكررة ومعتبرة في الحوض.
على أثر ذلك يلجأ ملاك الفقارة إلى تمديد الفقاقير لحفر آبار جديدة، كما يلجئون إلى تعميق الأنفاق. ومن المعلوم أن البساتين تتوضع على مستوى أقل من مستوى الفقارة، فعندما يعمق فمن الضروري تخفيض مستوى البستان لكي تتم عملية السقي، بتكرار هاته العملية تقترب بعض البساتين من السبخة شديدة الملوحة، أما البعض الآخر فتهمل أراضيه العلوية التي يتعذر سقيها عن طريق الفقارة، وبالتالي تتناقص تدريجيا المساحات الزراعية.
ثانيا: العوامل البشرية:
ويقصد بها ندرة أعمال الصيانة، فمن المعلوم أن الفقارة تحتاج إلى يد عاملة كثيرة وجد متمكنة لكي تنفذ الصيانة على أحسن وجوهها، ومن غير المعقول حاليا إنجاز فقاقير جديدة وحتى صيانة تلك القديمة لقلة اليد العاملة القادرة.
ويعود سبب قلة اليد العاملة المتمكنة إلى عدم توريث الخبرة والحرفة للأجيال الحديثة، وكذلك نزوح اليد العاملة الفلاحية نحو القطاعات الأخرى كقطاعات البترول والبناء التي توفر عملا مريحا ومعاشا مضمونا. زيادة إلى ما سبق ذكره قلة الأجور، فعمال الصيانة يعملون 8 ساعات في اليوم وفي ظروف جد خطيرة، بحيث سجلت عدة وفيات بسبب انهيار أجزاء من الفقارة. وبمقابل ذلك يقبضون أجورا متدنية وبدون ضمان اجتماعي.
ثالثا: التقاطع مع شبكات صرف المياه القذرة:
تؤدي غالبا أشغال وضع قنوات صرف المياه القذرة ومياه الشرب قرب الفقارة إلى انهيار أجزاء من هذه الأخيرة بسبب الحفر أو بسبب سد الأنفاق بالردم المتبقي. ويتعذر بعد ذلك تصليح الأنفاق لاختلاط الشبكات، ومن جهة أخرى فقد تتعرض قِطع الفقاقير التي تمر عبر المناطق السكنية إلى تسربات من شبكات تصريف المياه القذرة، ولوحظت هذه الظاهرة في المدن الجنوبية الكبرى مثل تيميمون وأدرار ورقان، بحيث لا يمكن في هاته المدن استعمال مياه الفقارة للشرب.
مطلوب صيانة عاجلة

صعوبة صيانة الفقاقير من أسباب انقراضها
يُطلق أهالي الواحات اسم الفريضة على عملية الصيانة نظرا لأهميتها، حيث تتم العملية في فصل الصيف ويتفرغ لها معظم الفلاحين. وفي بعض الأحيان يتعذر على الفلاحين القيام بهذه المهمة فيلجئون إلى استئجار عمال بأجرة معينة، وحسب الجهات الإدارية والفلاحية بالمنطقة فإن كلفة صيانة 1 كم من الفقارة تقدر بحوالي 143 دولارا وذلك في ظرف 10 أيام وبواسطة 4 عمال، أجر كل واحد حوالي 4 دولارات. وتشمل تعميق الأنفاق، وأيضا بناء وتلبيس الآبار المنهارة.
وانطلاقا من أبعاد الفقارة والحالة المتدهورة التي آلت إليها بات من المستعجل التفكير في إيجاد حلول تقنية وإدارية لإحياء وبعث الفقارة من جديد، لأن بإنقاذها سينقذ مصير سكان مناطقها، وهم تجمعات استفحلت فيهم البطالة ليسجل أكثر من 14000 طلب شغل لدى الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب على مستوى ولاية أدرار، دون حساب الفلاحين كبار السن الذين لم يبق لديهم سوى قلب الكفين حسرة على خيرات سادت ثم بادت.
ويبقى التنبيه إلى أن الانخفاضات الناجمة عن عمليات النقب هي في الحقيقة نتيجة قرارات سياسية تقنية ارتجالية لم تراع خصوصيات المنطقة ولا هشاشة الوسط، فكان المتضرر الرئيسي الفلاحين المستعملين للفقاقير.
ويتواصل سيناريو الفقاقير التي تحتضر، والعائلات التي تهجر أراضيها بالآلاف نازحة إلى مناطق أخرى بعد أن زاد الضغط عليها، وقانون حماية الفقاقير الذي تأخر، وأمام كل هذا الوقت أكيد لا ينتظر.
المفارقة التي ختمت الأمور هي التوجه الجديد نحو تكثيف الاستصلاح الزراعي وتخصيص أغلفة مالية معتبرة لذلك دون التفكير في
تأمين مصادر مياه، فهل ستستمر الحياة بعد موت الفقاقير؟!
نشرت بموقع اسلام اون لاين على الرابط التالي :-http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1209357619607&pagename=Zone-Arabic-HealthScience%2FHSALayout

مجلة المتصرفون الصغار.. مرح علمي في صفحات

فتيحة الشرع - نشرت بموقع اسلام اون لاين
غلاف عدد فبراير 2009 لمجلة المتصرفون الصغار
ما إن وصلتُ إلى كندا حتى رأيت بأم رأسي كيف أن العلم والمعرفة هما الأكسجين الذي يتنفسه المرء كل يوم والمنظر الذي يفتح عليه عينيه كلما استيقظ، وحب الاطلاع والاستزادة من نهل العلم مبادئ تُغرس في نفوس الناشئة منذ أشهر العمر الأولى، وما يُُكتب للطفل يوازي أو يزيد ما يُكتب للكبار، وبينما كنت أتجول بين المكتبات وقعت بين يدي مجلة علمية موجهة للصغار تصفحتها بلهفة المشتاق وقلت هذه هي المجلة التي حلمت بها في طفولتي، فهل بعد مضي ثلاثين سنة يظل السؤال ذاته لدى أبنائنا؟
"المتصرفون الصغار" هو عنوان المجلة الكندية التي استطاعت أن تجمع حولها أكثر من 30.000 قارئ، أعمارهم ما بين 9 سنوات و14 سنة، تهدف المجلة إلى توجيه اهتمام الأطفال إلى العلوم بحيث تتمكن من تكوين قاعدة للحياة اليومية، وتصدر باللغة الفرنسية، وتعدد فيها الألوان وأساليب العرض بتعدد المواضيع، ففي العدد الأول مثلا من السنة الجديدة تناولت المجلة مجموعة من الأركان، كان أولها مع علوم وتكنولوجيا الذي فتح الباب على آفاق المستقبل وإمكانية استرجاع الكائنات التي انقرضت من خلال الاستنساخ في حالة ما إذا تم حفظ الكائن الميت في درجة حرارة أقل من 20 مئوية، كما فعل اليابانيون مع أحد أنواع الفئران المنقرضة.
بعد علوم وتكنولوجيا يأتي ملف العدد الذي حمل عنوان نجوم سنة 2008، ويقصد به أهم الاكتشافات المثيرة في مجال الفضاء خلال السنة، ولا يتضمن الملف معلومات فقط بل مجموعة رائعة من الصور عن النجوم والكواكب لتقاسم متعة الاحتفال بالسنة الدولية للفضاء 2009، "حبة بطاطا بطارية" تجربة تعلم الطفل كيف يصنع بطاريته الخاصة باستعمال حبتي بطاطا، بعض القطع النقدية النحاسية، مسماران وناقلان، يغرس المسماران والقطع النقدية داخل حبتي البطاطا ثم يوصلان بناقلين... والبقية تكتشف مع التجربة.
يزداد التشويق والفضول مع تصفح الفقرات ليجد الطفل نفسه في عالم الحيوان يحلق فوق أجنحة طائر الكندور المهدد بالانقراض، حيث يقوم باحثون بيولوجيون بحمايته عن طريق إكثاره داخل حاضنات اصطناعية، وحين يصبح قادرا على الطيران بعد أكثر من ثلاثة أشهر يتم إطلاقه ليجد طريقه إلى جبال الأرجنتين وسط طقوس بوليفية خاصة.
عالم السيارات له أيضًا جاذبيته عند الصغار، مثل الكبار تمامًا، وفي عدد السنة الجديدة من مجلة "المتصرفون الصغار" روبورتاج عن عرض متنوع لنماذج سيارات هي أقرب للخيال مع محاولة الإجابة عن السؤال: لماذا لا نراها تجوب الطرقات؟
وتأتي الإجابة بأن بعض الاختراع يبقى مجرد فنون وحتى جنون لا نراه إلا في صالات العرض، كما هو الشأن مع النماذج المعروضة داخل المجلة، وإلى عالم الأطفال "قُل لي كل شيء"، حيث يكثر السؤال، ولكن مع "المتصرفون الصغار" كل ما يخطر على البال موجود، حيث يمكن معرفة أصل النوتات الموسيقية، وأين تعيش بعض أصناف السمك الأحمر وغيرها من الأسئلة المشوقة؟ في الفقرة الموالية تفتح النافذة على الطبيعة وسط عناوين لمواقع تهتم بالطبيعة، وأرقام مجانية للاستفسارات.
سؤال إلى باحث، هو الركن الأكثر طرافة، حيث يقوم طفل بدور صحفي ويوجه أسئلة إلى باحث، والموعد في هذا العدد مع عالم الجينات الكندي البروفسور philippe Gros الذي يعود الفضل إليه في اكتشاف بعض الجينات التي تحمي الإنسان من الأمراض وحديث شيق عن مستقبل اللقاحات، الكلمات المتقاطعة، الرسوم المتحركة، النكت والألغاز كلها علمية تماما.
كما يوجد عمود للتجارب الشخصية التي خاضها بعض الأطفال في حياتهم وتعلموا منها ما ينمي شخصيتهم وعلاقتهم بالآخرين كميثاق الاقتصاد في الطاقة وإعادة استعمال الأشياء القديمة ليكون في الأخير الفوز حليف الملتزمين...
هدية العدد بوستر لأشهر لاعبي الهوكي الكنديين saku koivu فالمتعة العلمية لا تكتمل إلا بممارسة الهواية.
وقبل طي آخر صفحة، هذه نكتة مختارة من مجلة "المتصرفون الصغار"، تقول النكتة: إن شرطيا أوقف شابا كان يجري حول مدرسة سائلا إياه: ماذا يفعل؟
فأجاب الشاب: ألاحق دروسي.
قراءة ممتعة للمجلة على الموقع التالي
www.lesdebrouillards.comعلى أمل أن تجد مثل هذه التجربة العلمية المسلية طريقها إلى ناشئتنا.